کد مطلب:370278 سه شنبه 23 مرداد 1397 آمار بازدید:600

الفصل الثانی رجال ینسبون إلى الخوارج












الصفحة 178












الصفحة 179


بدایة:


قد ذكرنا فی بعض فصول الكتاب سعی «الخوارج» لتزویر الحقیقة، وأنهم یكذبون حتى فی ما لا یصح ولا یمكن الكذب فیه، حتى زعموا: أن علیاً (علیه السلام) ندم على قتل «الخوارج»، وأنه بكى علیهم.. وغیر ذلك من أباطیل.


وزعموا أن عائشة أیدتهم.


وكذلك ابن عباس.


وعدوا صعصعة بن صوحان منهم.


وكذلك أبا الهیثم بن التیهان.


إلى غیر ذلك مما لا یرجع إلى أساس، وتكذبه الشواهد القاطعة، والبراهین الساطعة..


ولكن ذلك لا یعنی أن لا یكون هنالك من مال إلیهم، وأیدهم ومالأهم، إما خوفاً منهم، او بغضاً منه بعلی، أو اعتقاداً.












الصفحة 180


ونذكر هنا طائفة من هؤلاء وأولئك مع التذكیر بأن عدداً منهم هم من زعماء «الخوارج» الذین قادوا الحروب، ولیس لدیهم أثارة من علم، ولا سبیل هدى..


فنقول:


عكرمة من «الخوارج»:


وقد كان عكرمة من «الخوارج» وكان أمره فی ذلك أشهر من أن یذكر(1).


وكان یحدث برأی نجدة الحروری، وخرج إلى المغرب، وكان أول من أحدث فیهم رأی الصفریة(2)، فـ«الخوارج» بالمغرب عنه أخذوا(3).


وفی نص آخر: وقف على باب المسجد فقال: ما فیه إلا كافر، وكان یرى رأی الإباضیة(4).


وكان یتهم بالكذب(5).


____________



(1) راجع: میزان الاعتدال ج3 ص93و95و96 وشرج النهج للمعتزلی ج5 ص76 وفجر الإسلام ص261 والمنتخب من ذیل المذیل ص122 وتنقیح المقال ج2 ص256 والأعلام للزركلی ج4 ص244 وفتح الباری [المقدمة] ص424و425 والعقود الفضیة ص65 والطبقات الكبرى ج5 ـ ص292و293 وقاموس الرجال ج6 ص326و327 عن الكافی. وعن المعارف لابن قتیبة، ووفیات الأعیان ج3 ص265 والمغنی فی الضعفاء ج2 ص438 وتذكرة الحفاظ ج1 ص96 والمعارف ص457 وشذرات الذهب ج1 ص130 والضعفاء الكبیر للعقیلی ج3 ص373 ومختصر تاریخ دمشق ج17 ص144و152و151 وراجع: الكامل للمبرد ج3 ص215.


(2) سیر أعلام النبلاء ج5 ص20و21و30 وراجع: میزان الاعتدال ج3 ص96 وقاموس الرجال ج6 ص327 وراجع مختصر تاریخ دمشق ج17 ص142و151 وفتح الباری [المقدمة] ص425و426.


(3) سیر أعلام النبلاء ج5 ص21 میزان الاعتدال ج3 ص96 وفتح الباری [المقدمة] ص425و426.


(4) سیر أعلام النبلاء ج5 ص22 ومیزان الاعتدال ج3 ص95و96.


(5) الطبقات الكبرى ج5 ص288و289 ومیزان الاعتدال ج3 ص93و94و95و96/97


=>













الصفحة 181


ولیس یحتج بحدیثه، ویتكلم الناس فیه(1)، وكذبه على ابن عباس معروف ومشهور(2).


وقد أوثقه عبد الله بن عباس عند باب الحش، فقیل له: ألا تتقی الله؟


فقال: إن هذا الخبیث یكذب على أبی(3).


وكان یتختم بالذهب، ویغنی، ویُتهم فی أمر الصلاة، واللعب بالنرد ـ فراجع ترجمته..


أبو عبیدة، معمر بن المثنى:


إن البعض ینسب إلى أبی عبیدة معمر بن المثنى: أنه كان یرى رأی الصفریة من «الخوارج» (4).


وتقدم قول أبی حاتم السجستانی: «كان یكرمنی بناءً على أنی من


____________



<=


وقاموس الرجال ج6 ص327 والمغنی فی الضعفاء ج2 ص439 والمعارف ص438 ومختصر تاریخ دمشق ج17 ص149و151والمنتخب من ذیل المذیل ص122.


(1) الطبقات الكبرى ج5 ص293 ومیزان الاعتدال ج3 ص94 وفتح الباری [المقدمة] ص425.


(2) راجع ما قاله ابن المسیب لمولاه: برد. وما قاله ابن عمر لمولاه: نافع. وذلك فی المصادر المتقدمة، ترجمة عكرمة.


(3) میزان الاعتدال ج3 ص94 وقاموس الرجال ج6 ص327 والمعارف ص456 وشذرات الذهب ج1 ص130 والضعفاء الكبیر ج3 ص374 ومختصر تاریخ دمشق ج17 ص151 وفتح الباری [المقدمة] ص425 ووفیات الأعیان ج3 ص265و266.


(4) راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج5 ص76 وسیر أعلام النبلاء ج9 ص446 ونشوار المحاضرات ج3 ص291 وفجر الإسلام ص265 ونقل أیضأً عن المعارف ص543 والبیان والتبیین ج3 ص264 ـ 266 وج1 ص341 و343 و346 والأمالی للسید المرتضى ج1 ص636 ونور القبس ص110.













الصفحة 182


خوارج سجستان»(1).


غیر أن أبا عبیدة لم یكن له شأن یذكر فی العلوم الإسلامیة الرئیسیة.


فقد قال عنه الذهبی: «.. لم یكن بالماهر بكتاب الله، ولا العارف بسنة رسول الله،ولا البصیر بالفقه، واختلاف أئمة الاجتهاد، بل وكان معافىً من معرفة حكمة الأوائل، والمنطق، وأقسام الفلسفة»(2).


إذن.. فلم یكن قوله بنحلتهم مؤشراً للسذج من الناس على صحتها وسلامتها. ولا یفید ذلك فی تأییدها.


اتهام إمام المالكیة:


وبعد.. فقد اتُّهِمَ مالك بن أنس، إمام المذهب المالكی، بأنه یرى رأی «الخوارج» (3).


ویذكر الزبیریون: أن مالك بن أنس المدینی كان یذكر عثمان وعلیاً، وطلحة، والزبیر، ویقول: والله ما اقتتلوا إلا على الثرید الأعفر(4).


ولكن البعض قد أنكر بشدة نسبة الإمام مالك إلى مذهب «الخوارج»، فقد نقل أن أبا حیان كتب على هامش الكامل فی سنة 717هـ: أن الرجل الموصوف بأنه خارجی هو: مالك بن أنس بن مالك بن


____________



(1) سیر أعلام النبلاء ج9 ص147 وعن انباه الرواة ج3 ص281 ونشوار المحاضرة ج3 ص391.


(2) سیر أعلام النبلاء ج9 ص447.


(3) راجع: الكامل للمبرد ج3 ص215 وشرح النهج للمعتزلی ج5 ص76 والعقود الفضیة ص65 وتقویة الإیمان ص55 عن الجرح والتعدیل لجمال الدین القاسمی ص28.


(4) الكامل فی الأدب ج3 ص215 وشرح النهج للمعتزلی ج5 ص76.













الصفحة 183


مسمع البكری، ثم البصری، أحد رؤساء أهل البصرة، وفقهائهم، وعبادهم.


وقال أبو حیان: إن مالكاً كان على الخوارج أشد من الموت الزؤام، والداء العقام.


وقد سئل عن أهل حروراء، فقال: أحسب قول الله تعالى: (الذین ضل سعیهم فی الحیاة الدنیا، وهم یحسبون أنهم یحسنون صنعاً فیهم نزلت)(1).


و«الخوارج» یبغضون المالكیة أشد البغضاء، لأن إمامهم یقول بكفرهم فی بعض الروایات عنه(2).


أبو وائل، أبو بلال:


وربما ینسب إلیهم أیضاً أبو وائل شقیق بن سلمة(3).


وقد تقدم: أن «الخوارج» أنفسهم ینتحلونه، ویروون عن ابن عباس قوله: أصاب أهل النهر السبیل، أصاب أبو بلال السبیل(4).


لكن ابن أبی الحدید المعتزلی یقول عن أبی وائل..: «.. ولم یختلف فی أنه خرج معهم، وانه عاد إلى علی (علیه السلام) منیباً مقلعاً»(5).


مرداس بن أدیة:


وینتحل «الخوارج» أیضاً مرداس بن أدیة وعلل المبرد ذلك بقوله: «..


____________



(1) الكامل فی الأدب ج3 ص215 وشرح النهج للمعتزلی ج5 ص76.


(2) تقویة الإیمان ص55/56 وراجع هامش الكامل للمبرد ج3 ص215.


(3) الغارات ج2 ص947.


(4) العقود الفضیة ص68.


(5) شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج4 ص99.













الصفحة 184


لقشفه وبصیرته، وصحة عبادته، وظهور دیانته، وبیانه. تنتحله المعتزلة، وتزعم أنه خرج منكراً لجور السلطان، داعیاً إلى الحق».


وتحتج له بقوله لزیاد، حیث قال على المنبر: والله، لآخذن المحسن منكم بالمسیء، والحاضر منكم بالغائب، والصحیح بالسقیم، والمطیع بالعاصی.


فقام إلیه مرداس فقال: قد سمعنا ما قلت أیها الإنسان، وما هكذا ذكر الله عز وجل عن نبیه إبراهیم (علیه السلام)، إذ یقول: «وإبراهیم الذی وفى. ألا تزر وازرة وزر أخرى. وأن لیس للإنسان إلا ما سعى. وأن سعیه سوف یرى. ثم یجزاه الجزاء الأوفى»(1). وأنت تزعم أنك تأخذ المطیع بالعاصی، ثم خرج فی عقب هذا الیوم.


والشیعة تنتحله، وتزعم أنه كتب إلى الحسین بن علی (صلوات الله علیه): «إنی لست أرى رأی «الخوارج»، وما أنا إلا على دین أبیك»(2).


الحسن البصری:


وربما ینسب إلیهم أیضاً ـ وهم كذلك ینتحلونه ـ الحسن بن أبی الحسن البصری(3).


وقد ذكر المبرد ذلك، فقال: «فأما أبو سعید الحسن البصری، فإنه كان ینكر الحكومة، ولا یرى رأیهم.


____________



(1) سورة النجم ـ 37 ـ 41.


(2) الكامل للمبرد ج3 ص214/215.


(3) العقود الفضیة ص65.













الصفحة 185


وكان إذا جلس فتمكن فی مجلسه ذكر عثمان فترحم علیه ثلاثاً، ولعن قتلته ثلاثاً، ویقول: لو لم نلعنهم للعنّا.


ثم یذكر علیاً، فیقول: لم یزل أمیر المؤمنین (رحمه الله) یتعرّفه النصر، ویساعده الظفر حتى حكّم، فلم تحكّم والحق معك؟! ألا تمضی قدماً لا أبا لك، وأنت على الحق»؟!!.


وقال أبو العباس: «وهذه كلمة فیها جفاء إلخ..»(1) ولا یقول إلا من ینحل مذهب «الخوارج»، أو یمیل إلیه..


ابن عمر:


كما أن ابن عمر كان یمالئ «الخوارج».


فقد ذكر ابن حزم: أنه كان یصلی خلف الحجاج ونجدة(2). وكان أحدهما خارجیاً، والثانی أفسق البریة.


ونقول:


لعل تعظیم «الخوارج» لأبیه عمر بن الخطاب هو الذی دعاه إلى ممالأة نجدة الخارجی، ویعزز ذلك أنه كان یرى الصلاة خلف كل متغلب، ونجدة متغلب.


لكن كیف صح ذلك له، ورسول الله (صلى الله علیه وآله) قد أخبر بمروق «الخوارج» من الدین؟!


____________



(1) الكامل ج3 ص215و216.


(2) المحلى ج4 ص213 وراجع: بدائع الصنائع ج1 ص156.













الصفحة 186


إیاس بن معاویة:


وقد یقال: إن إیاس بن معاویة كان یرى رأی «الخوارج» أیضاً، وذلك لما ذكره الزمخشری، قال: «أخذ الحكم بن أیوب الثقفی عامل الحجاج إیاس بن معاویة، فشتمه، وقال: أنت خارجی منافق، ائتنی بمن یكفل بك.


قال: ما أجد أعرف بی منك.


قال: وما علمی بك، وأنا شامی، وأنت عراقی؟!


قال إیاس: ففیم هذا الثناء منذ الیوم؟!


فضحك وخلى سبیله»(1).


لكن الحقیقة هی أن ذلك لا یكفی لإثبات هذه التهمة على أیاس، فإن الحكام قد یوجهون تهماً لبعض المعروفین لیجدوا السبیل للتنكیل بهم..


أنس بن مالك:


وعن علی بن زید بن جدعان: «أن أنساً دخل على الحجاج، فقال: یا خبثة، شیخاً جوالاً فی الفتن، مع أبی تراب مرة، ومع ابن الزبیر أخرى، ومع ابن الأشعث مرة، ومع ابن الجارود أخرى، والله لأجردنك جرد الضب».


ثم تذكر الروایة: أن أنساً كتب إلى عبد الملك بذلك، فعالج عبد الملك الأمر بینهما(2).


____________



(1) ربیع الأبرار ج1 ص699.


(2) الموفقیات ص328و329.


 













الصفحة 187


وقد ذكروا: أن «الخوارج» كانوا ینتحلون أنس بن مالك فراجع(1).


أشخاص اتهموا أو عرفوا برأی «الخوارج»:


وعدا الذین تحدثنا عنهم، كمالك، والحسن البصری، وعكرمة، وأبی عبیدة، وأبی وائل، ومرداس بن أدیة، وحتى الذی یحاول «الخوارج» نسبه إلیهم أیضاً، فقد ذكر أشخاص آخرون فی جملة من ینسبون إلى رأی «الخوارج»، نذكر منهم:


المبرد.


ویزید بن أبی مسلم والمنذر بن الجارود وصالح بن عبد الرحمن، صاحب دیوان العراق وعمرو بن دینار وجابر بن زید ومجاهد(2) والیمان بن رباب. وكان على رأس البیهسیة وعبد الله بن یزید ومحمد بن حرب ویحیى بن كامل. وهؤلاء كانوا إباضیة.


ونسب إلى هذا المذهب أیضاً:


____________



(1) فجر الإسلام ص261.


(2) شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج5 ص76و77 وراجع: العتب الجمیل ص105 ـ 128 والعقود الفضیة ص65 وراجع الكامل للمبرد ج3 ص215.













الصفحة 188


أبو هارون العبدی وأبو الشعثاء وإسماعیل بن سمیع وهبیرة بن بریم(1) وقد عدّ الجاحظ فی جملتهم، بعد أن ذكر أبا عبیدة معمر بن المثنى:


عبیدة بن هلال وعمران بن حطان والمقعطل وحبیب بن خدرة والضحاك بن قیس وشبیل بن عزرة وقطری وخراشة ونصر بن ملحان وملیل وأصفر بن عبد الرحمن وأبو عبیدة كورین وابن صدیقة


____________



(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج5 ص77.













الصفحة 189


والجون بن كلاب وعتبان بن وصیلة(1) وعد منهم أیضاً الطرماح، كما سیأتی حین الكلام عن تساهل «الخوارج» عبر الزمن..


أما الجوزجانی فذكر منهم:


عبد الله بن الكواء، رأسهم وعبد الله بن راسب وشبث بن ربعی، أول من حلل الحروریة ومالك بن الحارث(2) وأبو بلال مرداس بن أدیة وأخوه عروة بن أدیة ونافع بن الأزرق ونجدة بن عامر وصعصعة بن صوحان(3) وهناك أیضاً ما یقال عن:


نافع بن ثابت(4)


____________



(1) راجع: البیان والتبیین ـ ج3 ص264 ـ 266 وج1 ص341و343و346.


(2) المراد: مالك بن الحارث السلمی، كوفی عداده فی التابعین، من رؤوس الخوارج.


(3) أحوال الرجال ص34و35.


(4) جمهرة نسب قریش للزبیر بن بكار ص93.













الصفحة 190


والمسور بن مخرمة، الذی كانت «الخوارج» تغشاه وینتحلونه(1).


وأبی حاتم السجستانی(2)، الذی ذكر أن أبا عبیدة معمر بن المثنى كان یكرمه بناء على أنه من خوارج سجستان، كما تقدم.


توضیح لابد منه:


ومن الواضح: أن عد صعصعة منهم غلط. ولعله لأجل جرأته على الحكام الظالمین أمثال معاویة، فعدوه خارجیاً إمعاناً فی الإساءة إلیه.. وإلا فإن صعصعة كان من أشد المناوئین لهم، وقد كان لخطبه أعظم الأثر فیهم، حتى أصبحت مثلاً.


فقیل: أخطب من صعصعة بن صوحان إذا تكلمت «الخوارج».


أضواء على ما تقدم:


ومن الواضح: أن العدد الأكبر من الذین ذكروا سابقاً هم من زعماء «الخوارج» أنفسهم. وقد اشتهروا بذلك، ولیس لهم أی تمیز فی علم بعینه، بل هم كسائر الناس العادیین.


ورغم قلة عدد الأعلام والعلماء الذین ینسبون إلى هذه النحلة، فإن فی صحة نسبة هذه النحلة إلى الكثیرین منهم نقاشاً. بل إن بعضهم كان من أشد الناس علیهم، كصعصعة بن صوحان وغیره حسبما ألمحنا إلیه فیما تقدم..


وأیضاً رغم: أن بعضهم قد رجع عن القول بمقالتهم، وأن بعضهم الآخر قد عد منهم، لمجرد خروجه على الحكام، ثم رغم شیوع وذیوع التأكیدات الكثیرة التی تدل على فشو الجهل، وسیطرة ظاهرة البداوة علیهم.


____________



(1) سیر أعلام النبلاء ج3 ص391.


(2) سیر أعلام النبلاء ج9 ص147 وعن انباه الرواة ج3 ص281.













الصفحة 191


نعم.. رغم ذلك كله فإن البعض یحرص إظهار فئة «الخوارج» على أنهم هم الطلیعة المثقفة فی العالم الإسلامی الكبیر. وهذا ما یثلج صدر «الخوارج» أنفسهم إن لم یكن ذلك یحصل بسعی مباشر منهم.


وقد سمعنا من قبل مقولتهم عن إخوانهم الحروریة: إنهم «خیار المسلمین، وفقهاءهم»(1).


وقال أبو علی الإیذجی، بعد أن ذكر أن أبا خلیفة الفضل بن الحباب بن محمد الجمحی كان یرى رأی «الخوارج»: «أكثر رواة علم العرب ـ فیما بلغنی عنهم ـ إما خوارج، أو شعوبیة، كأبی حاتم السجستانی، وأبی عبیدة معمر بن المثنى، وفلان، وفلان، وعد جماعة»(2).


بل ادعى البعض: «أن المصنفات الأولى للخوارج قد أبیدت وأحرقت على أیدی أعدائهم من السنة والشیعة على السواء»(3).


ونقول:


أما بالنسبة لدعوى أن مؤلفات «الخوارج» قد أبیدت فهی بلا شاهد ولا دلیل، فلا یلتفت إلیها.


وأما بالنسبة لرواة علم العرب فقد أشرنا آنفاً إلى أن الرواة الذین ینسبون إلى مذهب «الخوارج» هم قلة قلیلة جداً، بالقیاس إلى غیرهم.


وأما بالنسبة للشعوبیة، فلاریب فی أن معظم علماء الأمة فی بعض الفترات قد كانوا من الموالی.


____________



(1) العقود الفضیة ص67.


(2) نشوار المحاضرة ج3 ص291.


(3) قضایا فی التاریخ الإسلامی ص66.













الصفحة 192


وكانوا یقولون لمن یساوی بین العرب، وبین غیرهم: إنه شعوبی وقد أوضحنا ذلك فی كتابنا: سلمان الفارسی فی مواجهة التحدی، فراجع.


ومن الواضح: أن العرب الذین نقلوا كلام، وشعر، وخطب، وأجوبة الناس، هم من الذین یقولون بالمساواة بین العرب، وغیرهم أو من «الخوارج»؛ لأنهم كانوا یختلطون بالأعراب، وبأهل البادیة أكثر من غیرهم، لأنهم مثلهم فی أعرابیتهم، فمن الطبیعی أن یتولوا هم نقل خطب وشعر، وكلام واجوبة العرب.


مبررات أخرى للشك فی نسبة الخارجیة إلى البعض:


أضف إلى ذلك: أننا نشك فی صحة نسبة هذه النحلة إلى بعض من تقدمت أسماؤهم؛ وذلك استناداً إلى ما تقدم آنفاً، بالإضافة إلى ما ذكرناه عن عمر بن عبد العزیز، والأشعار التی قالها بشر بن المعتمر، وكذا ما قاله الحسن البصری، وعلی بن عبد الله بن العباس، وسید الوصیین علی أمیر المؤمنین (صلوات الله وسلامه علیه)، وكذلك ما ذكرناه عن صعصعة وغیره.. وغیر ذلك مما لا نرى ضرورة لإعادته.. فإن كل ذلك صریح فی أنهم لم یستضیئوا بنور العلم، وإنما كانوا أعراباً جفاة، یعشعش فیهم الجهل، ویعصف فیهم الغباء..


إلا أن ذلك لا یعنی أن لا یشذ منهم أفراد یأخذون بأسباب المعرفة، وتصیر لهم بعض الشهرة.. فإن الظروف قد تساعد هذا الفرد أو ذاك على ذلك، وإن كان عامة الناس ممن هم على مثل نحلته، وطریقته، یعیشون فی حالة متناقضة، وفی ظروف مختلفة، وذلك لیس بعزیز..


____________












الصفحة 193


ونحتمل قریباً جداً: أن یكون السبب فی نسبة هذه النحلة إلى بعض الأعلام، قد نشأت عن المواقف السلبیة لبعض هؤلاء من الهیئة الحاكمة، أو خضوعهم وتقیتهم من «الخوارج»، حین ظهور أمرهم، وقوة شوكتهم، فإن ذلك قد ساعد على نسبة هذه النحلة إلیهم، بهدف التنفیر منهم، وتشویه سمعتهم.


كما أنه قد یكون السبب فی نسبة ذلك إلى عدد منهم هو ما ظهر منهم من الانحراف الشدید عن أمیر المؤمنین (علیه الصلاة والسلام)، والتحامل علیه، وصدور بعض التصریحات الجارحة تجاهه (صلوات الله وسلامه علیه).


وأخیراً.. فقد یقال: إن ذكر المبرد لأخبار «الخوارج» بصورة لافتة فی كتابه، قد دعا البعض إلى اتهامه بنحلة «الخوارج».. ولعلل هناك من یشارك المبرد فی هذه الخصوصیة، التی دعت إلى توجیه هذا الاتهام..












الصفحة 194












الصفحة 195